طفلك
شجّعيه على البوح بسرّه ولا تتركيه يعاني بصمت!
الإضطهاد: مشكلة قد تودي بمستقبل طفلك
ربما تكون وراء شرود وقلق طفلك العائد من المدرسة حكاية حزينة يخجل من إخبارك بها، أو يخشى غضبك حين تعرفين أنه يتعرّض للتحرّش والإضطهاد من الآخرين...
وأنه ضحية لبعض السلوكيات العدائية التي قد يمارسها الآخرون ضده، مسبّبين له أذى جسدياً أو نفسياً بشكل يؤثّر على حياته اليومية وتحصيله الدراسي،
ويتسبّب في فتور حماسه وفقدانه الرغبة في الذهاب إلى المدرسة، وربما أيضاً شعوره بالخوف من افتضاح أمره أمام أهله وخشيته من لومهم وتقريعهم أوسخريتهم منه!
والإضطهاد بكل أنواعه هو تجربة قاسية تجعل الطفل يتألم ويعاني ويتعذّب بصمت.
هل يمكن أن نتعرّف على أنواع الإضطهاد التي قد يتعرّض إليها الصغير في المدرسة؟
ـ يأخذ الإضطهاد أوجهاً عديدةً، أحلاها مرّ وأبسطها يمكن أن يشعر الطفل بالتعاسة واليأس والشعور بالذنب، وأكثرها تعقيداً يمكن أن يقلب حياة الطفل إلى جحيم قد يدفعه إلى التفكير بالإنتحار للتخلّص من العذاب الذي يعيشه! ويمكن أن نجمل
الإضطهاد بالممارسات التالية:
السخرية من الطفل ووصفه بأسماء ونعوت غير مستحبّة، أو توريطه في مواقف صعبة ومشكلات لا علاقة له بها، أو إيذاؤه جسدياً سواء بالضرب والركل والعضّ والدفع وشدّ الشعر أو أخذ أشيائه الخاصّة بالقوة ومصادرتها أو إتلافها وتحطيمها، وسرقة نقوده والإستيلاء على مصروفه اليومي، أو إخافة أصدقائه وإجبارهم على الابتعاد عنه أو كتابة رسائل الإهانة والإستهزاء أو اتباع أساليب التهديد والتخويف.
معاناة بصمت!
وكيف يعرف الأهل أن ابنهم يتعرّض للإضطهاد؟
ـ يكتم معظم الأطفال هذه الأمور عن أهلهم ويعانون بصمت، خوفاً من لوم الأهل أو خجلاً من الموقف الذي هم فيه والذي قد يفهم على أنه جبن أو تخاذل. ولكن، رغم هذا الكتمان الذي يلجأ إليه الطفل، إلا أن ثمة إشارات يمكن الإستدلال بها على تعرّضه للإضطهاد، وأولها رفضه الذهاب إلى المدرسة وتذرّعه بالمرض رغم أن جدول الدروس مثلاً يضمّ بعض الحصص التي يحبها مثل الرياضة أو الفن أو الموسيقى... أمّا الإشارات الأخرى فيمكن تلخيصها،
بما يلي:
< ملاحظة بعض الجروح والكدمات على وجهه أو جسده أو التنبّه إلى ملابسه المجعّدة أو الممزّقة عند عودته من المدرسة إلى البيت.
< يطلب من الأهل شراء بعض الأشياء التي يبدو أنها قد سرقت منه أو اختفاء بعض النقود التي يأخذها يومياً كمصروف جيب.
< توقف الإتصالات الهاتفية من بعض الأصدقاء الذين كانوا يتصلون به بشكل مستمر وملاحظة عزلته عن الآخرين.
< إظهاره لبعض مشاعر العداء تجاه اخوته في البيت.
< تحوّله إلى إنسان مزاجي سريع الهيجان والغضب أو إلى إنسان
منعزل ومتقوقع.
< الشكوى من الأرق واضطراب النوم والقلق الليلي.
لماذا ابني دون غيره؟
قد تسأل الأم عن سبب اضطهاد صغيرها دون غيره، وهل ثمة خلل في سلوكه أو شخصيته يدفع الآخرين للتحرّش به؟
ـ لا يعني الإضطهاد أن ثمة خللاً في شكل أو سلوك الطفل بالضرورة، وربما يكون العكس أحياناً، حيث يكون الشعور بالغيرة والحسد هما الدافع وراء اعتداء الآخرين على الصغير، لأنه جميل الشكل أو محبوب أو مجتهد أو موهوب أو يتحدّر من عائلة ميسورة، أو أن حظّه العاثر قد أوقعه في طريق أطفال سيئين وعدوانيين. ولكن، قد يكون الخلل أو الإختلاف في شكل وسلوك الطفل هو الدافع لاضطهاده في أحيان أخرى.
ومن هذا الإختلاف:
< وزن الطفل، سواء كان بديناً أو شديد النحافة أو مفرطاً في الطول أو القصر أو مختلفاً في لون البشرة، أو مصاباً بالإعاقة أو التأتأة في الكلام أو يعاني من التخلّف أو بطء الفهم.
< المستوى المادي المتدنّي لعائلته وحرمانه من الملبس أو المأكل المقبول.
< إذا كان يلبس نظّارةً طبيةً أو سمّاعة أذن أو يستعمل عكازات المشي.
< إذا انقطع عن المدرسة لفترة طويلة بسبب المرض أو السفر، ولم يستطع التواصل مع طلاب صفّه.
وما هو التأثير السلبي الذي تتركه هذه الممارسات على نفسية الطفل؟
ـ للإضطهاد تأثير سلبي آني ومستقبلي على نفسية الطفل وعلى صحته بشكل عام، وقد يمتنع الطفل البدين عن الأكل ويعزف عن الطعام ما يوقعه فريسة لأمراض فقر الدم وسوء التغذية في محاولة لإنقاص وزنه وإسكات من يسخرون منه! وقد يشعر الطفل بالمرارة والتعاسة والإكتئاب أو بالوحدة والعزلة، حين يبتعد عنه الأصدقاء خوفاً من تعرضهم للإضطهاد أيضاً أو بسبب التهديدات التي تجبرهم على ترك صديقهم. وقد يتحوّل ما يلاقيه الطفل في النهار الى كوابيس تقضّ مضجعه في الليل أو إلى هواجس ومخاوف وعدم ثقة بالنفس واحتقار للذات وشعور بالمهانة قد يلازمه حتى بعد أن يكبر وينضج، وهذا ما يكون له تأثير كبير على مستقبله وعلى رؤيته للعالم الذي يحيطه وعلى طريقة تعامله مع الآخرين. إن الإضطهاد هو عذاب يتحمّله كثير من الأطفال بصمت، وهذا ما يزيد من معاناتهم!
تشجيع على البوح
وما هو الحل لهذه المشكلات التي تواجه الصغار؟
ـ قبل إيجاد الحلول، على الأهل أن يشجّعوا الطفل أولاً على البوح بما يعاني منه، وإذا كان غير راغب في التحدّث مع الأم أو الأب خوفاً من لومهما أو تقريعهما، يمكن أن يفتح قلبه لصديق أو لأحد الأقارب. وإذا خجل من الكلام، يمكن أن يستعيض عنه بالكتابة. بعدها، تبدأ العائلة بوضع استراتيجية مناسبة وآلية للتحرّك لحل هذه المشكلة، بعد أن تجد الإجابة على بعض الأسئلة المتعلّقة بنوع الاضطهاد والتحرّش ومكان حدوثه وكم مرّ عليه من الوقت ومن هو المتحرّش. وأول التعليمات التي ننصح بها الطفل هو عدم اللجوء إلى الإنتقام أو أخذ حقّه بيده ،لأن هذا سيوقعه في مشكلات أكثر تعقيداً وأن لا ندفعه لذلك بوصفنا له بـ «الجبان» و«المتخاذل»، بل ندخل الطمأنينة إلى قلبه ونؤكّد له أن من يضطهده ليس شجاعاً وبطلاً، وإنما فاشل وسيئ الأخلاق! ويكون من المناسب أن نلحق الطفل بدورات لتعلّم رياضة «الجودو» وفنون القتال، كي نعيد له الثقة بقوته ونشجعه على حماية نفسه. بعدها، نطلب من الطفل أن يكون مع الجماعة دائماً كي لا يستفرد به أحد، خصوصاً في ساحة اللعب في المدرسة أو في طريق العودة إلى البيت، وكي يكون هؤلاء شهوداً، إذا ما احتاج الأمر. وعلى الطفل أن يختلي بالمعلّم إذا كان يريد أن يخبره عمّن يضطهده وأن لا يفعل هذا أمام الآخرين، لأن هذا قد يعرّضه إلى الإنتقام وإلى مزيد من المتاعب. والأهم أن نعلّم الطفل كيف يضبط انفعالاته وأن لا يظهر أي ردّ فعل غاضب على من يطلق عليه الصفات غير المستحبّة وأن يظهر عدم الإكتراث، وهذه هي الوصفة السحرية لإيقافهم عند حدّهم، لأن المتحرّش يعمل على آلية الضغط على الزر الذي يؤذي ويؤلم، وإذا لم يجد ضالته فإنه يتوقف. وعلينا أن نعالج أيضاً الوحدة والعزلة التي قد يجد فيها الطفل نفسه، بسبب تفرّق الأصدقاء وخوفهـم مـن مصـاحـبـته، لئلا يطالهم الإضطهاد أيضاً! وهنا، نشجع الطفل على مواجهة الأصدقاء والإستفسار عن سبب ابتعادهم عنه وتذكيرهم بأن الصديق وقت الضيق، وأنه بحاجة إليهم وإلى مساندتهم. وعلى الطفل هنا، أن يتعرّف على أكبر عدد من الأصدقاء وأن يبادر إلى مصاحبتهم كي يضمن بقاء بعضهم إلى جانبه. وأخيراً، إذا وجدت العائلة أن هذه الحلول غير فعّالة لمعالجة المشكلة وأن الطفل لا يزال يعاني من الإضطهاد، يأتي هنا دور المدرسة كي تتخذ الإجراءات اللازمة.
رد الفعل السريع